الاثنين، 18 أغسطس 2008

القصيدة تبقى (في رحيل الشاعر الكبير /محمود درويش)



رحل الجسم ، والقصيدة تبقى
تحرق الغدر والمظالم حرقا
وتبث الضياء في كل نفس
غضبا يسحق التجنيَ سحقا
وتنير الوجدان -حين يُُغَشَّى-
برؤى تستقي التألق صدقا
لم يمت من تعلَّق الأرض قلبا
وكيانا من الزهور أرَقّا
ومضي بالقصيدة العمرَ يهمي
لفسلطينَ من حناياه عشقا
ويصون الولاء : أرضا وعرضا
ويقيم الوداد خطوا وخفقا
شاعرٌ يحيا بالقضية فنا
وكيانا بهمها مسترقا
إيهِ ، محمودُ ، ما الذي كنت تبغي
غير أن تصبح القصيدة أفقا
يحمل الحرف للسلام غصونا
ويذيق الطغاة رعدا وبرقا
ويرى الحق سافرا يتجلى
يمحق الزور والتملق محقا
كم حملت " الجليل " عصفور حب
لم يكن في اغترابه المرِّ يشقى
وخطي حيفا في دروبك بيتا
نحوه عروة المودة وثقى
وفلطسينَ في حناياك خفقا
عربيَّّ الطريق غربا وشرقا
وكأن الرمال من كل شبر
في فلسطينَ صرن ريشا وطوقا
يملأ الكون زقزقات عذابا
ومن الخير والتفاؤل يسقى
مزجتْها رؤاك بالدمِ حرَّا
فمسحت الأسى وفاء ورفقا
الرفاق انتحَوْا ، فقمت ودودا
تستعيد الرفاق عزما ورفقا
وبثثت النداء منك قصيدا
واقعيَّ الخيال ريانَ عِلْقا
يدخل القلب دون إذن متى ما
هزنا الشعر ، ليس يحتاج طرقا
أمة الشعر نحن هل ثمَّ عار
أن نجيد الإبداع في الشعر حذقا؟
ونشيد الجمال جنة خير
ليس فيها من الورى من يشقى
يعتلي الحق في رباها عزيزا
يلتقيه الأنام سعيا ورزقا
كم بنينا بالشعر صرح فخار
وأعادت أشعارنا مُسْتَحَقَّا
واستللنا سخائما من نفوس
زادها الخلفُ والتناحر فتقا
إنما السحر في القصيد حلال
إن غدت فينا ألسن الصدق ذُلْقَا
وتهدت خطى النبيين دربا
وترقت مع الملائك بُلْقا
نحن بالشعر لانناجي حبيبا
أو نسوق الأشواق للقرب سوقا
إنما نحصد التلاقيَ حبا
في سنا أقصانا المبارك يرقى
ما خبا للنضال فينا ضياء
لا ، ولا صرنا للطغاة أرقَّا
وطريق الكفاح دمع إباء
ودماء بها المواطن تسقى
كيف إن صارت الدموع بحارا
بسوى الحب والتآلف تُرْقَا
الملايين من بني وطني الأكب
ر باتوا يُحصَوْن : موتى وغرقى
والمساكين في سكونهمُ ما
توا برغم الأنفاس تُحْسَب نطقا
هزهزتنا الخطوب فانتفض العز
م كأنا الجبال تنشق شقا
وأعدنا الأقصى بنصر حدته
من يد الله قوة لا تُوَقَّى
وملآنا بالعدل أنفس قوم
فتقوا السلم والتعارف فتقا
وأتوا يحملون حقدا مريضا
من سعار الطغيان ينصبُّ دفقا
فسقيناهمُ مودة دينٍ
هي للكون حين يظمأُ أنقى
وسكبنا من النفوس سلاما
بفروسية الإباء مُحِقا
كان هذا فيما مضى أفنرضى
من هدير الماضي المغرد وُرقا
وغد الثائرين فجر مطل
من ثنايا الإصرار يخفق خفقا
رب شعر أهاب بالناس يوما
فمضوا للنداء رعدا وبرقا
وأعادوا للأرض من أبعدته
فرية تخلق المزاعمَ خَلقا
وتجيد الإفك المنظم نهجا
يخرق الواقع المحقق خرقا
قوة الحق سوف تبرز يوما
في وجوه الردى أحدَّ أدقَّا
تسحق الغاصبين دمعَ الثكالى
واليتامى ، وتسترد الحقا
يرفض الضيم كل حر أبي
ويرى العيش فيه ذلا ورقا
إن تَرَجَّلْ عن الحصان ؛ فمن ذا
فوق ظهر الحصان - درويش - يبقى؟